وزير الزراعة السابق أنموذجا …معايير الإفراج الطبي: بين الشفافية والتحيّز

عكس التيار بقلم – رضا هلال:
أثار قرار العفو عن كريم الهواري، ضمن المجموعة التى أفرج عنها مؤخرا بمناسبة عيد الفطر السعيد وعيد تحرير سيناء، الكثير من التساؤلات الجوهرية حول معايير الإفراج الطبي في السجون ومدى شفافية تطبيقها. هذا القرار، الذي منح عفوًا طبيًا لشاب – من الطبقة التى أصبحت عليا فجأة وبدون مقدمات منطقية-، جعل الناس يتسائلون عن تلك الأسس والمعايير التى على أساسها تم الإفراج عنه كونه مازال في ريعان الشباب وكل ما كان يعاني منه هو آثار تناوله لمخدر الكوكايين بحسب ماهو ثابت في دفاتر القضية، بينما هناك مئات الآلاف في السجون ممن يعانون حقيقيا من أمراض خطيرة ومزمنة بحسب تقارير مستشفيات الداخلية ، وذلك غير ما يصل من شكاوى مفزعة من سجناء بشتى التهم … هذا القرار بالإفراج يفتح باب النقاش حول فساد متأصل يشمل الفساد والرشى في السجون.
لقد أثار قرار العفو الرئاسي عن كريم الهواري – ابن مالك سلسلة هايبر ماركت – موجة من الانتقادات لما يبدو أنه تفضيل لشرائح معينة من المجتمع على حساب الآخرين. ففي الوقت الذي يعاني فيه مئات الآلاف من السجناء من مشكلات صحية قد تكون متفاقمة، (وزير الزراعة السابق الدكتور صلاح الدين هلال نموذجا)، تظهر فجوة واضحة في تطبيق معايير الإفراج الطبي. هذه الفجوة تُطرح على أنها مؤشر على تداخل العلاقات الشخصية والنفوذ المالي مع تطبيق القانون.
يتعين على نظام الإفراج الطبي في السجون أن يستند إلى معايير طبية موضوعية وواضحة، تضمن تقييم حالة السجين الصحية دون أي تدخل خارجي أو ضغوط سياسية. ومع ذلك، يبرز أن القرار الأخير لم يُتخذ وفق إطار معايير موحدة، بل بدا وكأنه يتأثر بعوامل خارجية تتعلق بالانتماء الاجتماعي والاقتصادي. وهذا ما يثير تساؤلات حول مدى استقلالية الهيئات المعنية عن ضغوط الفساد والرشى التي قد تكون متغلغلة في النظام القضائي.
يُعد الفساد والرشى من الآفات التي تُفشل تطبيق العدالة في عدة أنظمة حول العالم، ولا سيما في المؤسسات ذات الضغوط العالية مثل السجون. ففي حالات عديدة، يُستغل النظام القضائي لتحقيق مصالح شخصية أو تجارية، حيث يتم تقديم رشاوى للحصول على خدمات أفضل أو حتى الإفراج المبكر. وقد يكون قرار العفو عن كريم الهواري مثالاً آخر على كيف يمكن لعوامل خارجية أن تُثقل كفة العدالة؟، إذ يبدو أن خلفيات السجين الاقتصادية والاجتماعية لعبت دوراً في إصدار القرار.
يؤدي انتشار الفساد والرشى في السجون إلى تآكل الثقة في النظام القضائي بأكمله. إذ إن تطبيق قوانين وإجراءات خاصة بالإفراج الطبي يجب أن يكون مبنياً على معايير عادلة ومتساوية للجميع. إن تفضيل فئة دون أخرى لا يقتصر على الإضرار بحقوق السجناء فحسب، بل يؤثر أيضًا على سمعة الدولة ومصداقيتها في تطبيق القانون. هذا الوضع يحفّز على إعادة النظر في سياسات الإفراج الطبي، وتطبيق آليات رقابية صارمة للتأكد من خلوها من أي تأثيرات فساد.
إن حادثة العفو الرئاسي عن كريم الهواري تُعد بمثابة جرس إنذار يدعو إلى إصلاح شامل في نظام العدالة الجنائية. فمن الضروري تطبيق معايير موضوعية وشفافة بوضع آليات دقيقة لتقييم الحالات الصحية للسجناء، دون التمييز بين الفئات الاجتماعية.
يرافقها تعزيز الرقابة المستقلة من خلال إنشاء لجان مستقلة تضم خبراء طبيين وقانونيين لمراجعة التقارير الطبية واتخاذ القرارات بناءً على أسس علمية بحتة.
ويتزامن مع كل ذلك مكافحة الفساد والرشى ببذل جهود حثيثة لتطبيق قوانين مكافحة الفساد داخل السجون، لضمان أن كل قرار يُتخذ يتم على أسس عدالة ونزاهة.
يُعَد قرار العفو عن كريم الهواري دليلاً آخر على ثغرات النظام القضائي الذي يتأثر أحياناً بظواهر الفساد والرشى. إنه يسلط الضوء على الحاجة الماسة إلى إصلاحات جذرية في معايير الإفراج الطبي داخل السجون، لضمان تطبيق العدالة بشكل متساوٍ لجميع السجناء دون تحيز، وتحقيق شفافية مطلقة في كل الإجراءات القانونية. إن إصلاح هذا النظام لن يقتصر فقط على تحسين صورة الدولة أمام مواطنيها، بل سيكون خطوة أساسية نحو ترسيخ مبادئ العدالة والمساواة التي ينبغي أن يكون عليها كل نظام قضائي.
[email protected]