مقالات

حين تتقاضى العروش رواتب من أجهزة الاستخبارات

عكس التيار  بقلم - رضا هلال:

 

لم يكن مفاجئًا أن تنكشف يوماً، في تقريرٍ أمريكي، تفاصيل صادمة عن العلاقة بين وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) وملكٍ عربيّ بارز. الاسم الرمزي “No Beef” لم يكن لرجل ظلّ أو عميل صغير في عمّان، بل كان يرمز للعاهل الأردني الملك الحسين بن طلال، الذي تلقى، حسب صحيفة واشنطن بوست عام 1977، ملايين الدولارات من الوكالة على مدى عقدين، مقابل “خدمات” استخباراتية وتسهيلات ميدانية للـCIA داخل الأردن.

ولقد وصلتني عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتناثرت عبر الفيس بوك معلومات شتى تحتوى على معلومات كثيرة بعضها صحيح وأكثرها ادعاء يحتاج لدليل، ولقد اعتمدت هذه الجهات صحة المعلومة الأساسية وبذرة الإنبات في بث مئات المعلومات الخاطئة، على غرار “خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ ” (102) التوبة.

فما كان مستوراً خرج للعلن بعد وصول الرئيس جيمي كارتر إلى البيت الأبيض. لم يُخطر كارتر بتلك الترتيبات، فاستشاط غضباً، واعتبر الأمر مهينًا لسيادة بلاده، لا لسيادة حليفها، فأمر بوقف التمويل. لكن الضرر كان قد وقع: دولة بحجم الأردن، ومَلِك يرفع شعار الكرامة، كان يتقاضى “راتباً” من مؤسسة تجسس أجنبية، في أخطر منطقة ملتهبة في العالم.

لسنا بحاجة إلى كثير من التأويل لفهم معنى أن يقيم ملك عربي علاقات استخباراتية ممتدة مع الموساد الإسرائيلي، منذ الستينيات، وأن يلتقي برئيسة الوزراء جولدا مائير قبل حرب أكتوبر، محذراً من ضربة قادمة من سوريا. ولا حاجة لتحليل عميق لفهم دلالات توقيع اتفاقية وادي عربة، التي أخرجت الأردن نهائياً من مربع الصراع العربي الإسرائيلي، وأدخلته، طوعًا أو اضطرارًا، في شبكة مصالح أمنية واقتصادية يرعاها الغرب وتديرها واشنطن.

لقد كانت المملكة الأردنية، منذ نشأتها على يد الشريف حسين ثم حفيده، مشروعاً سياسياً مرتبطاً عضوياً بالحلف البريطاني – الأمريكي في المنطقة. التكوين العسكري الإنجليزي للملك حسين، وتكوينه السياسي، وميله المعروف للنمط الغربي، لم تكن مجرد ملامح شخصية، بل سياسة دولة.

اليوم، وبعد عقود من تلك العلاقات، ما زلنا نُساق لسماع خطاب الطاعة والولاء من منابر دينية تُقدّس السلطة لمجرد أنها ترتدي ثوب الحكم، وتُجيز السكوت على التبعية بحجة “درء الفتنة”. أين هي الفتنة الحقيقية: في من يرفض بيع السيادة؟ أم في من يجعل من رأس الدولة مخفراً للاستخبارات الأجنبية؟

لقد آن أوان المراجعة، لا للطعن في الأموات، بل لتحصين الأحياء من تكرار ذات المسار. فليكن واضحاً: من يقبض من واشنطن، يُراعي أمن تل أبيب، ومن يُراعي أمن تل أبيب، لا يمكنه في الوقت نفسه أن يكون ضامناً لكرامة فلسطين أو سيادة العرب.

[email protected]

اظهر المزيد

نموذج التعليق


لا توجد تعليقات بعد.

زر الذهاب إلى الأعلى